• بينما كانت سلمى تتجول في القصر الذي اختاره لها زوجها سعد بن أبي وقاص لفت نظرها رجل مقيد في إحدى الغرف الملحقة بالقصر.. فاقتربت منه مع وصيفتها..
- ما اسمك أيها الرجل، وفيما حبسك زوجي سعد؟
- لو ذكرت لك ما اسمي يا بنت أبي حفصة لعرفت سبب حبسي!
- عجباً أو تعرف اسمي؟
- لا شيء يخفي عن أبي مُحجن!
- أنت أبو مُحجن الثقفي فارس بني ثقيف؟!
- وأنتِ سلمى بنت أبي حفصة زوج سعد بن أبي وقاص، وقد كنت من قبله تحت المثنى الشيباني!
- أما زلت تقول الشعر في الخمر؟!
- الشعراء يقولون ما لا يفعلون..
- فيما حبسك زوجي؟
- بسبب رسالة جاءته من الخليفة عُمر.. قال له فيها " إذا جاءك أبو مُحجن فاحبسه ولا تدعه يشترك في القتال فقد قال في الخمر ما لا يقوله مسلم".
- وماذا قلت؟
- إذا مت فادفني إلى أصل كرمةٍ ترَّوى عظامي بعد موتي عروقها
- بئس ما يقول شاعر مسلم..
- يا بنت أبي حفصة ثلاثة أيام والحرب دائرة لا ينال سعد بن أبي وقاص من أعدائه شيئاً، فهو في حاجة إلى رجل مثلي.... وهو يعرف من هو أبو محجن الثقفي!! كيف يحرم المسلمون من عَزمتي؟!
- سعد أدرى بما يفعل مني
- كلميه في أمري يا بنت أبي حفصة!
- لا أستطيع أن أفعل ذلك..
- أنا أعرف أن سعداً لا يستطيع أن يمتطي فرسه بسبب الدمامل التي في جسده.. وهو فارس الفرسان.. ولم يختره عمر بن الخطاب عبثاً.. والمسلمون صائمون... وأبو محجن في القيود لا يحارب مع إخوانه... إذا كنت لا تستطيعين أن تكلمي زوجك في شأني فافعلي ما هو أخف عليك من هذا.
- وما ذاك؟
- تفلين عني فأخرج وأكون مع إخواني في هذه الليلة، والقتال على أشده.. والله إن سلمني الله أن أرجع حتى أضع رجلي في قيدي.
- لا أفعل ما يسخط زوجي..
- وتفعلين ما يسخط ربك؟؟... ترين المسلمين في أشد الحاجة لسيفي وتتركينني في هذه القيود؟!
- أو تقسم بالله أن تعود إذا أطلقتك؟
- أقسم بالله، وأضع رجلي في القيود كما هي الآن... لك عهد الله علي ذلك.
وتفك قيوده وبينما هي تفعل طلب منها أن يستخدم فرس سعد بن أبي وقاص (البلقاء)
* * *
• وعادت سلمى إلى حيث كان زوجها سعد بن أبي وقاص مكبًا على وجهه في أعلى القصر يوجه رجاله في المعركة وألم الدمامل المبرحة يمنعه من المعركة ثم ينظر ليرى فارساً يجندل الأعداء واحداً تلو الآخر... كأنما يريد الوصول إلى قائدهم ويتساءل سعد :
- من هذا الفارس؟ فتجيبه سلمي :
- وما يدريني؟!
- لو لم يكن أبو محجن الثقفي في القيود لقلت هو أبو محجن؟! والفرس التي تحته أشبه بفرسي (البلقاء) الطعن طعن أبي محجن!!
- كل شيء ككل شيء في غبار المعركة يا سعد..
* * *
• في تلك الليلة. التي يعرفها التاريخ باسم (ليلة عماسّ) أو (ليلة الهرير) اشتد القتال وحارب المسلمون بضراوة وشجاعة...في تلك الليلة انكسر العدو حتى فكر قائدهم في الانسحاب لولا أمله في وصول المدد وجاء القعقاع بن عمرو عند قائده سعد الذي بادره بالسؤال..
- يا قعقاع من هذا الفارس الذي كان يحوم حول قائد العدو : الضرب ضرب أبي محجن والفرس أشبه بفرسي البلقاء؟!
- ظننت مثلك أنه أبو محجن...ولكن مررت الساعة على محبسه فرأيته في الحديد كما وضعناه يوم جاء.
• كان أبو محجن قد عاد في الصباح كما وعد سلمى بنت أبي حفصة... فما اطمأن سعد إلى وجوده حتى عاد مرة أخرى إلى ميدان القتال... ولم يسفر عن وجهه إلا حين اقتحم بفرسه خيمة قائد الأعداء واجتز رأسه وصاح:
- يا معشر المسلمين... لقد قتلت سيدهم... انظروا..
- أبو محجن؟!
- أجل يا بن القعقاع أبو محجن..!!
- أيها المسلمون لقد انكشفوا بمقتل سيدهم فسدوا عليهم سبل الفرار.
* * *
• وأرسل سعد بن أبي وقاص أبي محجن إلى أمير المؤمنين ليرى فيه رأيه بعد أن ذكر له بلاءه ليلة الهرير... ووقف أبو محجن أمام عمر بن الخطاب ولم ينس مرحه الذي عرف به..
- والله يا أمير المؤمنين ما مسست الخمر إلا تلك الليلة التي تجسست فيها علي.. وقد قال الله تعالى "ولا تجسسوا".
(الحجرات:12)
• وتبسّم عمر.. وخرج أبو محجن ليعود إلى الكتيبة التي فتحت (جرجان) ويموت بها بعد أن انقطع فيها للعبادة في كهف من كهوف الجبال...